دكان وأستديو وقاعة
في العام الماضي غاب عنا صوت أسر قلوب السودانيين طويلا، وظل أسمه لعقود يجتاز المسافات ويستقر في الوجدان، امتزج الصوت والإسم ليشكلا معاً مقاماً رفيعاً في خدمة الوطن والناس، ناله صاحبه بجدارة فهو من صال وجال في ربوع السودان، وترك في كل مكان مكان أثر، وفي كل حكاية خبر، ذلكم هو الدكتور/ عبد المطلب الفحل، الإذاعي والأكاديمي الفذ.
(دكان ود البصير) الذي اختار له الراحل (ناصية) في سوق التأريخ ليتبضع الناس من منتوجه الدرامي بصناعة غاية في الحبكة والامتاع، ويقبل على (دكانه) الجميع مهما تباينت المستويات الثقافية أو الاجتماعية، فاللغة بسيطة والمعاني عظيمة، والأحداث تجري على ألسنة الراوي ومجلسه بما يطرب السامعين ويغذي عقولهم.
كان هذا (الدكان) من تجليات الراحل وعبقريته في التأليف الدرامي فهو صاحب سجل حافل من الأعمال الخالدة تحتضنها ذاكرة أهل السودان قبل (رفوف) الأرشيف هناك في دار الإذاعة.
إسهامات مقدرة للراحل الفحل في وسائل الإعلام خاصة الإذاعة السودانية التي سقى شجرة عطاءه فيها لأكثر من أربعة عقود حتى أثمرت واستظل تحت أغصانها أجيال سلمهم أدوات المهنة، وفتح أمامهم أبوابها.
قاعات الدرس مثلت أيضاً أستديوهات يعبر إليها الدكتور الفحل برشاقة ولياقة ليقرن التجربة المهنية مع الفكر والعلم، فكانت محاضراته سياحة علمية وجولة معرفية، وما أبرعه وهو يحاضر فكأنك تشاهد ممثلًاً في مسرح يؤدي دوره بمتعة واحتراف.
مساحة المقال بالتأكيد لا تكفي للإحاطة بكل إرث وسيرة الراحل، ولكن أردتها وقفة بدافع الوفاء لأستاذية الرجل، وبذله الصادق لوطنه، ولتشكل هذه الحروف سانحة ليتداعى أهل الشأن من كل طيف لتكريم الرجل، ليس تكريماً احتفالياً -على أهميته – ولكن للتفكير فيما سيبقى مفيد للأجيال القادمة بتخليد ذكراه لتمكث في الأرض بركة وإشراقا.