فضاء الكلمة /منى عبد الهادي /النيل أشجان وأحزان

النيل أشجان وأحزان

في التقاء النيل الأزرق بالأبيض عند مقرن النيلين، تتجلى لوحة طبيعية غاية في الروعة من صنع الخالق العظيم، لوحة ألهمت الشاعر المصري صلاح عبد الصبور ليصف هذا الجمال بكلمات بديعة، تاركاً للفنان سيد خليفة أن يترجم النص إلى لحن مزيج من العنفوان الأفريقي والإيقاع السوداني (الحنين)، لتسكن الأغنية في وجداننا جيلاً بعد جيل.

هما قدران في مجرى
تبارك ذلك المجرى
فيمناه على اليسرى
ويسراه على اليمنى
وهذا الأزرق العاتي
تدفق خالداً حرا
وذاك الأبيض الهادي
يضم الأزرق الصدرا
فما انفصلا ولا انحسرا
ولا اختلفا ولا اشتجرا
ولا هذي ولا تلك
ولا الدنيا وما فيها
تساوي ملتقى النيلين
في الخرطوم يا سمرا

هبة المياه من أعظم هبات المولى عز وجل لبلادنا، وهذا النيل العظيم يجسد هذه النعمة ويذكرنا بحاجتنا لتعظيم الاستفادة منها في معاشنا وتطور وطننا وترقية أحوالنا، ولكن ويا للأسف من لكن هذه! في كل عام تقريباً تتجدد مشاهد مغايرة لصور النيل التي نحب أن نراها دائماً، حيث تحل محلها مشاهد ما تخلّفه الفيضانات من آثار سالبة بفعل عجزنا عن السيطرة والاستفادة من المياه أو تطوير وسائل التحكم والتخزين، حتى نضاعف من المكاسب بدلاً عن حساب الخسائر.

كم هو مؤلم أن نشاهد حال أهلنا وقد صاروا بين ليلة وضحاها بلا مأوى، بل وفقدوا أرواحاً عزيزة ذهبت إلى ربها.. هذه قرية غمرتها المياه بالكامل.. وذلك بيت لم يصمد إلا بابه.. وأنظر هناك ترى مقتنيات وأثاثات وصوراً وذكريات عائمة سابحة مع التيار.. مشاهد تتكرر وإن اختلفت المناطق المتأثرة، ولا نستبعد أن نراها في المستقبل، طالما ظل العجز هو السمة التي تلازم السلطات المتعاقبة وهي تكتفي بمعالجة الآثار لا تفعيل الإجراءات الوقائية التي تقلل من الخسائر وتعظم المكاسب.

الدور المجتمعي لتخفيف الآثار يستحق الإشادة، لكنه ما زال في تقديري دون مستوى وحجم الكارثة، وأعزو ذلك إلى تأخر إنشاء آلية تعمل على تجميع وتنسيق الجهود المجتمعية وتوجيهها نحو المناطق المتأثرة بناء على أولوية حاجة كل منطقة، وهنا تكمن أهمية الدور الإعلامي في التعبئة والتوجيه وإيصال صوت وصورة المتأثرين حتى تأتي الاستجابة فورية وذات فعالية وإيجابية، وبالتوازي مع ذلك ينشط الإعلام في جانب مهم وهو التحقيق في أسباب المشكلة ولفت الأنظار إلى مكامن الخطأ والإهمال والتقصير وفتح (الملف) أمام الرأي العام لمحاسبة الجهة أو الأشخاص الذين تسببوا في هذه المعاناة، حتى يتفادى الوطن وقوع مثل هذه الكوارث مستقبلاً.

نترحم في هذه السانحة على أرواح مَن فقدناهم ونسأل الله أن يجبر الضرر لكل مَنْ مسه أذىً في بيته أو وسيلة كسب عيشه، ونأمل أن تتكاتف الجهود الرسمية والشعبية للتعاهد أن لا تتكرر مثل هذه الكوارث، فبدلاً من انتظار طائرات الإغاثة نتمنى أن نشاهد طائرات تُصدّر خيرات هذه المياه، ونستقبل طائرات السياح لبلادنا ولنيلها المبارك.
٨:٤٥ م

شاهد أيضاً

مشاهدات وانطباعات يكتبها : خالد ساتي … مزاج سوداني 

الشروق نت  مزاج سوداني الدائرة الضيقة التي سجنت خيال البرامج الغنائية لسنوات متطاولة لم تشفع للقنوات …