جرأة قلم/ دارالسلام علي/ (منفسنة صح)!!

يومان وأنا خارج نطاق الأسافير، قررت أن أبعد قليلاً عن الهاتف والحياة (الاصطناعية)، والانسحاب عن كل ما هو مصطنع، والبعد عن ضوضاء القروبات الواتسابية بأخبارها المملة والحزينة التي تخلو من الإيجابيات، وحبلى بالمواضيع السامة التي تعكر صفو الحياة (أكثر مماهي معكرة)، وحينما فتحت شبكة بيانات هاتفي وجدت العديد من الرسائل في صندوق واتسابي بعضها يستفسر عن سبب اختفائي وآخرون من المقربين أرسلوا لي رسائل على شاكلة.. (منفسنة صح) لاعتقادهم أنني أقفلت باب التواصل الإلكتروني بسبب مشكلة ألمت بي أو مبادئ اكتئاب.
وكما قال البعض في رسائلهم مبادئ اكتئاب الشتاء.. كانت إجابتي لهم جميعاً أنا بخير أردت فقط أن أعيش حياة طبيعية على أرض الواقع مع أناس حقيقيين، مللت من العالم الافتراضي الذي تمكن من السيطرة على جميع حياتنا وانقض عليها كما يفعل الأخطبوط عندما يقبض على فريسة ما بكل أرجله، حتى بتنا لا نتذوق طعم الحياة، وفقدنا معاني الإحساس والدعم الحقيقي، وظللنا نغرق في دهاليز التطبيقات الإلكترونية، كما يغرق الحجر في الماء لدرجة أن البعض بات مهووساً وقد لا يمرُّ عليه دقائق إلا وقام بنشر ما يعيشه وما لا يعيشه وبتنا نعكس مايدور بداخلنا لأناسٍ افتراضيين لا نعلم حقيقة مشاعرهم وصدق نياتهم (والله جد)!
قد يكونون صادقين ولكن هذا لا يمنع من وجود سيئي النوايا يمكرون ويتنكرون لنا متدسرين بعباءة الصدق وطيب الكلام ولكنهم يبطنون خلاف ما يظهرون.
الحياة الإلكترونية التي جعلت من البعض أناساً متصلبي المشاعر والأحاسيس لا يحركهم ساكن، باتوا يعطون أولوياتهم من الاهتمام لأشخاص صناعيين خلف هواتف استطاعت اقتلاع الضحكات ودفء المنازل والبيوت وتمكنت من (فرزعة) أسر حتى من صينية الغداء التي كانت بمثابة برلمان صغير داخل أسوار الأسرة (تخيل).
لم يعد هناك وقت لهذه الصينية وتغيب أعضاء البرلمان عن جلستهم المعهودة بسبب إنشغالهم بأسافير تسمرت أمامها الأعين، وبات البعض يخلع عباءة الاحترام واستطاع خدش الحياء العام بمحتوى فارغ خالٍ من المضمون، كل ذلك ليتحصل على أعجابِ وحصدِ التعليقات من أناسٍ فارغين يتبعون (الهبط والعبط)، وبالمقابل هو قادر على فعل أي شيء من أجل جمع المعجبين والمتابعين لا يهمه سمعته ولا حتى احترام أهله وعيشرته، فقد اختار من هم وراء الكيبات أهلاً وعشيرةً له لأنهم فقط يؤيدون (المسخرة) (والله جد)!!
أبعدتنا الحياة الإلكترونية عن أهلنا وأصدقائنا الحقيقيين. أناس بمشاعر وأحاسيس ملموسة مشاعر صادقة ليست من وراء حجاب الايموشنات الكاذبة والأحرف التي تزيف حلو الكلام، وتسببت الأجهزة الإلكترونية بسوء استخدامها في تحجر وقسوة قلوب البعض حتى باتوا لا يهمهم شيء، لدرجة أن البعض يعزي فقيده عبر رسالة إلكترونية مذيلة برسوم تعبيرية على هيأة وجه باكي العينين، كما فعلت تلك السيدة التي طلبت من ابنها إرسال تعزية إلكترونية إلى أشخاص تعرفهم وقالت لابنها أن يضيف الايموشن ذي الوجه الباكي حتى تتأكد مستلمة الرسالة أنها حزينة وتبكي على مَنْ فقدت.
جرأة أخيرة
ليس هنالك أسهل من إبداء مشاعر زائفة عبر الأسافير فلا أحد يرى حقيقة الآخر.

شاهد أيضاً

مشاهدات وانطباعات يكتبها : خالد ساتي … مزاج سوداني 

الشروق نت  مزاج سوداني الدائرة الضيقة التي سجنت خيال البرامج الغنائية لسنوات متطاولة لم تشفع للقنوات …