كتبت الأسبوع الماضي مقالين عن ظاهرة القونات (قونة لكل مواطن! وكلاكيت تاني مرة) التي اجتاحت الغناء السوداني وقصفت به جبهة الفن. وقد تناولت فيهما أسرع وأقذر الطرق للشهرة عبر بوابة الغناء الفاحش والزي الاستعراضي العاري والأغاني الخادشة التي تدعوك إلى التقيوء والرقصات التي تدعو إلى الفجور والرذيلة، والأشخاص الذين لا أدري هل أضمهم إلى كوكب الزهرة، أم إلى كوكب الإثارة والتشويق (مجهولي النوع)، فمن ظاهرهم شكلاً كالذكور ولكن المضمون يؤكد لك أنهم ضلوا طريق الرجولة والخشونة المعروف بها الرجل السوداني وجلسوا في أماكن مخصصة للنساء (والله جد)!
وذلك عبر أصواتهم وأشكالهم القذرة، فهم –وأؤكد- بعيدون كل البعد عن عالم الذكور والرجال، (المهم ما علينا). نعود إلى أصل المقال فظاهرة (التقون) أو التقوين أو القونات، كان لا بدَّ حسمها بصورة رادعة فهي أدت إلى اضمحلال الساحة الفنية التي تتأرجح مهزوزةً، ولولا بعض الفنانين الذين يُعوّلُ عليهم من الأجيال السابقة لسقط معمار الفن السوداني ودفن في أحضان القونات (والله جد)!
فالسكوت وغضُّ الطرف عنها أدى إلى ظهور مخلوقات غريبة وأشكال مختلفة، فبتنا لا يمر يوم علينا إلا وظهر لك شكلٌ غريب، والأمرُّ من ذلك أن هؤلاء يظهرون بجمهور يؤيدهم لن ألومه لأن هؤلاء سيطروا على الساحة بتفاهتهم ونتانة كلماتهم وقذارة أشكالهم، ومسميات أقرب للمخلوقات الفضائية، في ظل سكوت الجهات المعنية طيلة الأيام الماضية، والحمد لله استيقظت قبل أن نغرق ونضيع في دهاليز الرداءة.
خير فعلت شرطة أمن المجتمع التي قامت بضبط (74) فناناً لا يحمل رخصة ممارسة المهنة، وأخيراً فاق مجلس المهن الموسيقية والدرامية من سباته العميق، بتنفيذه للحملة التي استهدفت عدداً من صالات الأفراح بالعاصمة، وأسفرت عن ضبط عدد من المطربين والمطربات والموسيقيين يمارسون النشاط الفني، وهم غير مقيدين بكشوفات مجلس المهن الموسيقية ولا يحملون بطاقة عضوية اتحاد الفنانين (تخيل)!، وتم تدوين بلاغات في مواجهتهم توطئة لتقديمهم للمحاكمة، فهذه الحملة رصدت في يوم واحد فقط 74 مطرباً ومطربةً مارسوا النشاط الفني العلني من خلال الحفلات العامة والخاصة، وعبر بعض القنوات الفضائية دون أن يحصلوا على رخصة ممارسة المهنة التي تمنح بعد إجازة اللجنة المختصة لصوت المطرب واعتماد أغنياته الخاصة.
هذا العدد الكبير يدل على أننا كنا في اتجاه أن يتحول غالبية أهل السودان إلى قونات وفعلاً كان سيكون هناك قونة لكل مواطن وربما “قونتين” أو أكثر، فالرداءة تحسب دون أي اشتراطات، وكل من هب ودب أصبح فناناً خالي المضمون والمحتوى والشكل، لا أدري مَنْ الذي يقود هذه الحملة النتنة ومن يرشحهم ومن الذي أقنعهم بأنهم فنانون أو مطربون.
جرأة أخيرة
أتمنى أن تستمر هذه الحملات حتى يتم تنظيف الساحة الفنية من البذاءة والنتانة التي شوهت أحقاب الفن الجميل.
Check Also
مشاهدات وانطباعات يكتبها : خالد ساتي … مزاج سوداني
الشروق نت مزاج سوداني الدائرة الضيقة التي سجنت خيال البرامج الغنائية لسنوات متطاولة لم تشفع للقنوات …