أكبر من الفقد ..أدنى للوصال
نفقد الاب ، ويغيب الجسد.. تبقى روحه ساكنه لا تبارح دنيانا
نحس به مع كل نبضة قلب، وطرفة عين.. هو معنا في عمق أوجاعنا وأوج مسراتنا.
نناجيه عندما تستبد الحيرة، ونكاد ننسى معالم الطريق.. لكن نستشعر يده الحانية تمسح العناء وتفتح أشرعة الأمل نحو إبحار جديد.
لا يغيب الأب فهو السراج الذي لا ينطفيء برحيل الجسد، بل نستوقد ذكراه من زيت محبتنا ليبقى هاديا ومرشدا يضيء جنبات الروح ويعمر أركان الوجدان إذا ما امتدت إليه يد الزمان بسوء، هو القنديل الذي يغمرنا بالضياء ولا يتركنا إلا وهامتنا تحاكي النخيل فخرا به واعتزازا بنسبنا إليه وفي ملامحنا شيءٍ من تقاسيمه.
وفي دوحة الأثر النبوي الشريف نستظل بمعاني وقيم تحثنا على رعاية الوالدين كما ربونا صغارا.. أنظروا إلى حديث الرسول الله -صل الله عليه وسلم وتأملوا وصيته وليراجع كل منا نفسه ونقوم (بجرد الحساب) ماذا قدمنا ونقدم للآباء والأمهات سواء من رحلوا أو من هم بيننا ؟
قال عليه السلام: (رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: مَن أدْرَكَ أبَوَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ)
وهل أبرح مقام الأبوة دون أن أزين المقام بجميل البيان ؟ فكم هو رائع ما وصفت يا إيليا (ابو ماضي) في نظمك:
نظرت إلى العوّاد تسألهم عنّى
ويا ليتما الأرض انطوى لى بساطها
فكنت مع الباكين فى ساعة الدفن
لعلّى أفى تلك الأبوّة حقّها
وإن كان لا يوفى بكيل ولا وزن
فأعظم مجدى كان أنك لى أب
وأكبر فخرى كان قولك: ذا ابنى / ابنتي
يونيو يصادف ذكرى رحيل والدي / عبد الهادي السيد، ذلك الإنسان الذي مهما ارتقت الكلمات فهي دون وصف روعته وطيب خصاله.. التاسع من يونيو توقيع سنوي على جدارية الوفاء.. نقشا في القلب بحروف من نور.
تمر الذكرى ليس لبعث ما طواه الزمن، فتلك عروة باقية نوثقها بالدعاء وبعض الباقيات الواصلات نرجوها من رب السموات، ولكن إحياء الذكرى انما يجيء لأن للتوقيت خصوصيته وللمناسبة قدرها، وفي الرجاء عند الإشارة إليها متسع لدعوات صادقة يتنادى إليها الأخيار ترفعه درجة وتقربه منزلة… وتدنيننا منه وصالا وحبا باقيا .
رحم الله ابي وآباءكم الذين رحلوا، وحفظ من هم على هذه البسيطة لننعم بصحبتهم معروفا واحسانا.