انقلاب من المتحف
يصعب توصيف الواقع الماثل الحالي في السودان، ولكن في عبارة مجملة يمكن القول إن الوضع ينذر بكارثة. صحيح، أن السودان تخلص من كابوس الإنقاذ الذي أقعد بالحياة العامة 30 عاماً، بإنجاز ثورة ديسمبر المجيدة التي دفع فيها شبابنا أرتالاً من الشهداء، ولكن اليوم رغم الردة الكبيرة، إلا أن الثورة ما زالت مستمرة. البعض حاول سرقة الثورة دون جدوى، ودونكم ما قمت به قوى الظلام التي تريد أن تجعل من الثورة مطية تحقق بها أحلاماً في السلطة على حساب دماء الشهداء، ليتهم يتركوا الثورة تسير إلى غاياتها المنشودة.
فانقلاب 25 أكتوبر، سام البلاد العذاب وقضى على الأخضر واليابس، ولكنه لم يقض على عزيمة الشعب في الوصول لسلطة مدنية. لقد مات المئات من شبابنا في طريق إرساء سفينة الدولة السودانية لتحط رحالها في مهبط الحكم المدني بسلطة كاملة وما زال المسير مستمراً.
لقد أيقن الانقلابيون من خلال محاولاتهم البائسة مؤخراً لاستيعاب قوى الثورة في الجلباب الانقلابي، أن تصحيح المسار لا يتم بالبندقية، وأن تصويبهم السابق باتجاه قوى الثورة دفع السودان ثمنه غالياً في معاش الناس وفي أمنهم، وفي صحتهم، وتأكد لهم بؤس الانقلاب الذي يمكن أن نسميه انقلاباً من المتحف.
فالبرهان ورفاقه اختاروا أن يذهبوا بالثورة إلى الوراء، فدخلوا متحف النادي القديم وحملوا انقلاباً بالياً ليكون بديلاً للحكم المدني، ولكن فشل الانقلاب وفشل المكون العسكري في تحقيق مراميه بتشكيل حكومة تكون عبارة عن سكرتارية للعسكر، بمحاولة إيهام القوى الثورية بأن العسكر سينأون بأنفسهم عن السلطة، ويكوّنوا مجلساً أعلى للقوات المسلحة، ولكن قوى الثورة فهمت الحيلة وفوتت الفرصة عليهم، وبالتالي تاه تفكير الانقلابيين، وتبخرت دعوة الفريق البرهان للقوى السياسية للتوافق تحت سقوف المجلس الأعلى للعسكر.
من الواضح أن تجربة الانقلاب الفاشل تصيب فاعليه بلعنة السلطة، ويقيني أنهم ندموا على هذه الفكرة التي أسقطت السلطة وأسقطتهم في نظر المدنيين.
Check Also
مشاهدات وانطباعات يكتبها : خالد ساتي … مزاج سوداني
الشروق نت مزاج سوداني الدائرة الضيقة التي سجنت خيال البرامج الغنائية لسنوات متطاولة لم تشفع للقنوات …