تقرير: محمد عبد الحميد
عرف السودانيون أول انتخابات برلمانية في العام 1953 وشاركت فيها خمسة أحزاب سياسية هي أحزاب (الوطني الاتحادي، الأمة، – كتلة الجنوب، الجمهوري الاشتراكي، والجبهة المعادية للإستعمار).
استطاع الحزب الوطني الاتحادي الحصول على (51) مقعداً حاصلاً على الأغلبية المطلقة التى خولته للحكم منفرداً. وكان عدد الدوائر المطروحة لانتخابات مجلس النواب (97) دائرة، وقد تمت العملية الانتخابية بطريقة مرضية تقبلها المواطنون ولم يحدث اعتراض إلا في دائرة واحدة، حيث قدمت شكوى للجنة الانتخابات تتعلق بمخالفة وقعت في الأصوات بمركز إقتراع في هذه الدائرة. كما كانت هناك تهمة تتعلق بالتعارض في عدد الأصوات التي جُمعت وعدد الناخبين الذين ظهروا في مراكز الإقتراع، غير أن التحقيق أثبت أنها لا تقوم على أساس.
أحزاب طائفية
استقبلت حشود ضخمة، زعيم الطائفة الختمية السيد محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، عند قدومه عائداً من مصر بعد زهاء العِقد من الزمان، قضاها متنقلاً بين المدينة المنورة والقاهرة. تلك الحشود الكبيرة التي ملأت الأمكنة، وسدت الطرق، لفتت الانتباه وفق مراقبين، إلى أن الحزب الاتحادي وطريقته الختمية ما زال لهما وجود وتأثير على أرض الواقع، ولمن ينتهي دورهما بعد، بالرغم من مضي أكثر من ثلاثين عاماً فعلت فيها الإنقاذ ما فعلت بالعديد من الأحزاب السياسية، التي مزقتها لأشلاء هنا وهناك، وذلك أدعى للتساؤل حول إمكانية فوز الأحزاب الطائفية (الختمية والأنصار)، بجانب، الإسلاميين في الانتخابات القادمة لحكم السودان؟
حشود مصنوعة
يرى أستاذ العلاقات الدولية بروفيسور صلاح الدين الدومة، أنّ الحشود الكبيرة التي استقبلت زعيم طائفة الختمية السيد محمد عثمان الميرغني ورئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، حشود مصنوعة. موضحاً أن تبعية أنصار الأحزاب الطائفية ليس نتيجةً لآيدولوجيا محددة أو منفستو أو شعارات أو برنامج سياسي، وإنما مبينة على مرتكزات ثيوقراطية-دينية-، غض الطرف عن صحتها أم عدمه، بأن المراغنة من آل بيت رسول الله صلّ الله عليه وآله.
في غضون ذلك، أشار رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في حديثه بأكاديمية الأمن بالخرطوم، أمس، إلى العديد من المبادرات التي تهدف للوصول إلى حل للوضع السياسي الراهن، مؤكداً أنّ القوات المسلحة سوف توفي بالتزامها بالنأي عن المشاركة في العمل السياسي وترك الأمر برمته إلى المكونات السياسية، للوصول إلى اتفاق يفضي إلى حكومة مدنية انتقالية من الكفاءات الغير حزبية، وصولاً إلى انتخابات حرة ونزيهة، في حين، جدد البرهان التأكيدات بأن القوات المسلحة ستعمل على حماية هذا الانتقال وصون أمن وسلامة البلاد.
انتخابات نزيهة
حصل حزب الأمة في الانتخابات البرلمانية الثانية لعام 1958 على 63 مقعداً، وحزب الشعب الديمقراطي على 26 مقعداً، فيما حصل الحزب الوطني الاتحادي على 44 مقعداً، وحزب الأحرار الجنوبي على 40 مقعداً. يذكر أن هذه الانتخابات كانت بدايةً لعهد الحكومات الإئتلافية في السودان إذ لم يحصل أي من الأحزاب الستة التي شاركت في هذه الانتخابات على أغلبية مقاعد تؤهله لتشكيل حكومة منفردة.
شاركت كذلك، ستة أحزاب في الانتخابات البرلمانية الثالثة عام 1965، حيث حصل الحزب الوطني الاتحادي على 73 مقعداً، وحزب الأمة 92 مقعداً، وجبهة الميثاق الإسلامي حصلت على 5 مقاعد، بينما حقق الحزب الشيوعي السوداني 11 مقعداً، ومؤتمر البجا 10 مقاعد. كما شارك في انتخابات 1968 22 حزباً وتكتلاً إقليمياً أوقبلياً، هم (الحزب الاتحادي الديمقراطي، حزب الأمة بجناحيه (الصاق ـ الهادى)،
حزب سانو، جبهة الميثاق الإسلامي، مؤتمر البجة، جبهة الجنوب). وتوزعت الأصوات بين هذه الأحزاب ولم ينفرد أي منها بأغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة لوحده، وإن كان الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي تأسس نتيجة للاندماج بين الحزب الوطني الاتحادي وحزب الشعب الديمقراطي، قد حصل على 101 مقعداً، وهي أعلى مقاعد يحصل حزب في تلك الانتخابات، تلاه حزب الأمة بجناحيه بحصوله على 72 مقعداً.
حكومات ائتلافية
حصل في انتخابات 1986، التي شاركت فيها أحزاب (الأمة، الاتحادي الديمقراطي، الجبهة الإسلامية القومية، القومي السوداني، البعث العربي الإشتراكي، المؤتمر السوداني الأفريقي، الشيوعي)، حزبا الأمة والاتحادي والجبهة الإسلامية على الأغلبية التي تشكلت منها عدد من الحكومات الائتلافية ما بين الفترة من 1986 – 1989.
بالمقابل، يرى مراقبون، إمكانية كبيرة بعد الحشد الذي استقبل الميرغني في الخرطوم، وتأييده في فوز حزبه بالانتخابات المقبلة بمقاعد كُثر، بجانب، حزب الأمة والإسلاميين. فيما يذهب أستاذ العلاقات الدولية بروفيسور صلاح الدين الدومة في حديثه لـ(الانتباهة)، إلى أنّ ذلك التأييد للميرغني يأتي من دوائر مغلقة أو عمياء، من التفكير تطيع كل ما يأتي من (السيد) وتنفذه. وأضاف قائلاً: (وتنجح مثل هذه الأحزاب الطائفية في المجتمعات الأقل تعليماً وبالتالي تكون أقل وعياً سياسياً).
أيضاً يتهم الدومة، الإسلاميين في التخطيط لذلك الحشد الذي يصفه بالمصنوع، لافتاً إلى التسريبات التي أشارت لاتفاق حول أشياء محددة، تم بين رئيس مجلس السيادة البرهان ورئيس الحزب الاتحادي الأصل، وهذه من ضمن خطة إفشال مبادرة المحامين للدستور الانتقالي المسنود من قبل الآليتين (الثلاثية والرباعية)، مشيراً إلى أن الاحتفال (الهستيري) حسب قوله- بعودة مرشد الختمية، قرائن أحوال تشهد على وجود اتفاق، وأنّ المؤتمر الوطني هو من خطط ولديه المصلحة بذلك.
فرص الفوز
أما عن فرص الأحزاب الطائفية والمؤتمر الوطني في الفوز بالانتخابات القادمة، قال الدومة: (إذا افترضنا أن الانتخابات المقبلة حرة ونزيهة وشفافة، فإن حزب المؤتمر الوطني لن ينال أي شئ)، فيما أكد أن الولاء الديني الذي وصفه بالأعمى، لن يكون بنفس قوة الفوز بالانتخابات كما حدث في فترة الستينات، والسبعينات، والثمانينات.