تقرير: محمد عبد الحميد
بدأ النشاط العمالي في تاريخ السودان الحديث مناهضة للمستعمر عام 1908م بأول إضراب لعمال مناشير الغابات للمطالبة بتحسين بيئة العمل وظروفها، ثم تدرج ذلك النشاط ليدخل المقاهي العامة في الأسواق لمناقشة قضايا العمال.
وبدأ الضغط على الاستعمار البريطاني لتتم الاستجابة بقيام أندية العمال في مدن الخرطوم الثلاث عام 1934، وتوالت بعد ذلك في كل المدن العمالية بالسودان وأصبح لها دور تثقيفي وتدريبي وسياسي في مناهضة الاستعمار من خلال المطالبة بقيام التنظيمات النقابية وانتشار الصحف الحائطية والمسارح العمالية.
ثورة ديسمبر
وبعد قيام ثورة ديسمبر 2019، وتكوين الحكومة الانتقالية، أصدرت قراراً بحل كل النقابات المُنتخبة، واستبدلتها بلجان تسييرية وصل عددها إلى “165” لجنةً تسييرية، ما عده الخبراء خطأً قانونياً كبيراً وقعت فيه قوى الحرية والتغيير، لأن اللجان المنتخبة لا يتم حلها بقرار، وبدون قيام الجمعية العمومية التي أتت بمجالس تلك النقابات. وفي الأيام الفائتة، أصدرت المحكمة العليا قراراً قضائياً بعودة عدد من اللجان النقابية، في وقت أمرت فيه مسجل العمل بعملية تسليم وتسلم بين لكل المتحركات والدور والممتلكات للجان المنتخبة في النظام السابق.
بدوره، رفض الحزب الشيوعي السوداني، قرارات المحكمة العليا، بعودة اللجان التي حلتها الحكومة الانتقالية سابقاً، وطالب بتجميع الصفوف النقابية من جديد وتشكيل اللجان لمناهضة قرارات المحكمة العليا، وفقاً لقانون منظمة العمل الدولية الفقرة “2/3″، ودعا كذلك لتكوين لجان الإضراب السياسي تمهيداً للدخول في العصيان المدني الشامل.
تسييس النقابات
في غضون ذلك، أكد النقابي بشرى الصائم، القيادي بالمجلس المركزي للحرية والتغيير، في ندوة “عودة النقابات.. جدلية السياسة والقانون” بالخرطوم، أمس، أنّ واحد من أسباب إخراجه من الحزب الشيوعي السوداني هو موقفه الصريح والواضح الذي يرفض تسييس النقابات والتدخل في شؤونها، مشيراً إلى أن الأحزاب السياسية ظلت على مدار السنوات تستغل النقابات في صراعاتها السياسية، في وقت كون الأحزاب فيه مكاتب للنقابات للتدخل بالعمل النقابي بالرغم من أنّ القانون النقابي لا يسمح بذلك.
لكن الصائم، عاد ولفت إلى أنّ الحركة النقابية نشأت مع الأحزاب السياسية، وعملا سوياً لمناهضة الاستعمار، لذلك كانت العلاقة بينهما قريبةً جداً وقوية، وهي إشكالية-بحسب الصائم- ظلت تعاني منها البلاد حتى الآن. وأشار أيضاً إلى أن التدخل بالعمل النقابي تم في كل العهود “ديمقراطيةً وشمولية”، مع ظهور الاتحادات المهنية في عهد الرئيس الراحل جعفر نميري. وذهب القيادي بالتغيير، إلى أن ثورة ديسمبر فعلت نفس الخطأ الذي وقعت فيه الحكومات الفائتة، بحلها للنقابات المنتخبة بقرار، دون الرجوع للجمعية العمومية، لتكون بذلك قد مارست الشمولية في خطوتها تلك.
قانون 2010
رئيس اتحاد نقابات عمال السودان الذي أعادته المحكمة العليا، يوسف علي عبد الكريم، قال خلال ندوة عودة النقابات، إن قانون 2010 هو القانون النافذ الذي أخذت به المحكمة في حيثيات قرارها بعودة الاتحاد المحلول الذي يجري الآن عملية التسليم والتسلم، لأنه لم يتم تعديل قانون 2010 أو إلغاؤه، خلال فترة الحكم الانتقالي للحرية والتغيير، داعياً الجميع لاحترام القانون لأن القانون هو الذي يحكم السياسة بعد تشريعه. وقال يوسف، إنهم لم يحتفوا ويحتشدوا بالانتصار لأن البلاد مهزومة الآن، وطالب بالاتفاق النقابي الداخلي لمواجهة ما سماها بالتحديات بسبب الوضع الذي وصفه بالمزري، للنظر في قضايا معاش الناس، والمرتبات والعلاوات، بجانب، تمويل أبناء العاملين بالمدارس والجامعات والعلاج خارج مظلة التأمين الصحي، إضافة إلى، الدعم السلعي.
القيادي بالمجلس المركزي للحرية والتغيير، بشرى الصائم، لفت إلى أنّ قانون النقابات المجاز في 2010، شمولي، في وقت أبدت عليه منظمة العمل الدولية ملاحظات لتعديله، ومضى قائلاً “ناديت بعدم حل النقابات بقرار وبالدعوة لقيام الجمعيات العمومية سوى بالقانون الوطني أو الدولي”. في حين، أكد أن الحرية والتغيير اتخذت ذات قرارات الرئيس المعزول عمر البشير وحلت النقابات، وعينت “165” لجنةً تسييرية، وعده تدخلاً سافراً في العمل النقابي.
اتحاد المهنيين
قانون المهنيين ليس قانوناً نقابياً، هكذا قال بشرى الصائم، لافتاً إلى تحويل اتحاد المهنيين في عهد الإنقاذ إلى نقابات، كاتحادي الصحفيين والمحامين. ونوه إلى أن المنطقة العربية ككل تتحايل على النقابات بالاتحادات، مشدداً على وجوب التفريق بين السياسة والنقابة، وعضّد ذلك، بما حدث في دار المحامين قبل فترة، ووصفه بالفتنة التي سببتها السياسة وليس العمل النقابي، لأن اللجان التسييرية سياسية وليست بنقابية. ورفض الصائم، تحدث تجمعات المهنيين باسم النقابات، لأنها تمثل مجموعات محددة.
بالمقابل، أشار القيادي بالحرية والتغيير، إلى “3” قوانين لتنظيم العمل النقابي وهي “قانون مركز الأيام، ووزارة العمل، واتحاد نقابات عمال السودان”، فيما نبّه إلى أن قانون “الأيام” يعبر عن اليسار الموجود داخل قوى الحرية والتغيير، وأما قانون وزارة العمل فهو قانون “لا فئة ولا منشأة”، حتى لا يكون هنالك تدخل في الشأن النقابي. ولفت إلى أن قانون العمل تمت إجازته من قبل وزارتي العمل والعدل واللجنة الفنية التابعة لمجلس الوزراء، في الوقت الذي اجتمع فيه الحزب الشيوعي مع رئيس الوزراء آنذاك عبد الله حمدوك لوقف القانون لأنه أشبه بقانون 2010 الذي يكرس للمنشأة حسب قولهم، فيما استجاب حمدوك لطلب الشيوعي وكون لجنة لإعادة النظر في القانون.
تجريم المزاولة السياسية
رئيس حركة الإصلاح والمستقبل، د. ناجي مصطفى الخبير القانوني، شدد على تجريم المزاولة السياسية للنقابة والنقابي، مع وضع العقوبات حتى في مواجهة الحزب السياسي المتماهي، بالإضافة إلى منع الممارسة النقابية من ممارسة السياسة، وتحجيم الدور السياسي للنقابات وصولاً لنقابات مطلبية حقيقية، لكن كل ذلك، لا يتأتى وفقاً لـ”ناجي” إلا من خلال الإصلاح السياسي الشامل للدولة السودانية.
ولفت ناجي إلى إنشاء عدد من الدساتير بالسودان، لكن يتم تغييرها لأسباب ليست موضوعية، بل سياسية أو فردية أو شخصية، كما حدث عندما وافق البرلمان على تغيير الدستور لرئيس حزب الأمة الراحل الصادق المهدي.
وذهب الخبير القانوني بالقول، إن القضاء السوداني يمضي في المساحة التي يؤذن له بالتحرك فيها، لافتاً إلى أن قوى الحرية والتغيير التي حلت النقابات سياسياً، عندما أمرت المحكمة بعودتها اعترضت على قرار المحكمة العليا، مشيراً إلى أن القانون نفسه لم ينجو من التغول السياسي.
تابع ناجي، أن اللجان التسييرية التي تكونت خارج غطار الجمعية العمومية كلها “باطلة”، لأن سلطة تكوين الجمعيات مسؤولية الجمعية العمومية. ودعا العمال لمناقشة القوانين الثلاثة المطروحة للخروج بقانون واحد.