جرأة قلم / دارالسلام علي/ أم حجل!

منذ فترة طويلة وأنا أعيش حالة من الاستغراب لما وصل إليه حال التعليم في السودان من تدهور مريع، فقد أصبح الاهتمام بالشكليات والمظاهر الخارجية للطالب أكثر من اهتمامه بكتبه ومذكراته، خاصة الفتيات اللواتي أصبحن خبيرات تجميل وعارضات أزياء، وافقدن الجامعات حرمتها وقدسية الأماكن وقاعات الدرس.
فعندما ترى واحدة منهن في طريقها إلى الجامعة تظن أنها أخطأت الشارع والاتجاه وأنها ذاهبة إلى صالة أفراح. فالوجه عبارة عن (علبة ألوان) من كثرة المكياج والألوان التي رسمت بها وجهها، أما اللبس فحدث ولا حرج (تعري وبهرجه) في مظهر تجرد من كل أشكال الاحترام والتقدير إلى أساتذة ودكاترة الجامعة وحرمة المكان (تخيل)!!
خير فعلت جامعة الرباط الوطني وإن كان متأخراً جداً فقد منعت أول أمس الطالبات من لبس الزمام والحجل، وكذلك منعت تدخين السجائر داخل الحرم الجامعي، ووضعت ضوابط جديدة ألزمت فيها الطلاب والطالبات بالزي الرسمي، وشملت الضوابط “غطاء الرأس “للطالبات”.
تخيل عزيزي القارئ أن تمنع الجامعة هكذا أشياء يعني أنها كانت تعاني ومثيلاتها من الجامعات من التلوث البصري والأساليب (السوقية) والسلوكيات السالبة، داخل حرم يتلقى فيه الطالب التعليم في مرحلة يفترض أنها تمثل أول سلم الوعي لديهم، أن تمنع جامعة شبه حكومية هذه الأشياء التي كانت تمارس (على عينك يا تاجر) داخل أروقة الحرم الجامعي والذي يوجد فيه أسوار ويقف عند أبوابها حراس يفترض عليهم مراقبة دخول وخروج الطلاب (والله جد).
فكيف لجامعة أياً كانت خاصة أم حكومية، أن تسمح لطالب دخول الحرم الجامعي وفي جيبه علبة سجائر و(خرشة). نعم، فقد أصبحت المخدرات منتشرة بصورة كبيرة داخل الجامعات ولكن للأسف لا توجد دراسات من الجهات المختصة. فقبل عدة سنوات، أكد رئيس اللجنة القومية لمكافحة المخدرات د. دفع الله الجزولي نتيجة دراسات أجريت عن المخدرات في 13 جامعة داخل ولاية الخرطوم فقط، بيّنت أنَّ نسبة التعاطي في الجامعات تصلُ إلى 2٪ .
هذا الحديث كان قبل سنوات فما بالك -عزيزي القارئ- عن عدد الإحصائيات الآن في ظل التدهور الأخلاقي والفكري والبعد الديني وتفكك الأسر وكثرة انتشار وترويج المخدرات (والله جد)!
وكيف لطالبة جامعية أن تخط رجلها داخل حرم الجامعة ويلتف حولها الحجل لدرجة أن يناديها زملاؤها بـ(أم حجل)؟؟! وكيف لحراس أبواب الجامعات أن يسمحوا لطالبة وفي أنفها زمام (أكبر من نخرتها)؟ وكيف لهم أن يأذنوا لها بالدخول وصدرها عارٍ ورجلها في العراء بسبب (خطوة الاسكيرتي)؟ هذا جزء من أشكال الطلاب بالجامعات الحكومية، أما الخاصة والكليات التي انتشرت كالذباب في الخريف، فحدّث ولا حرج (عايسين عواستهم) دون رقيب.
فهناك عرض آخر غير الأزياء، وهو عرض أكثر تفاخراً وفخامة، حيث يعرض ويتباهى الطلاب من ذوي الطبقات الاستقراطية بمدى فخامة سياراتهم وأرصدتهم البنكية وكيفية قضاء إجازاتهم الصيفية في دول أوروبا، نعم هذا عالم مختلف عن مجتمع الطلبة الكادحين في الجامعات الحكومية (والله جد)!
كلُّ هذه العروض يمكنك سيدي القارئ الاضطلاع عليها مجاناً عند مرورك بالقرب من إحدى الجامعات، فيمكنك مشاهدة فيلم هندي بقناة زي ألوان فرع السودان بشارع النيل، من خلال زفات الخريجين وغير الخريجين، وأيضاً يمكنك الانتقال إلى عالم المال والرفاهية بمجرد أن تمر بجامعة خاصة تلك التي يدفع الطلاب رسومهم فيها بالدولار، وأيضاً إذا أحببت أن تشاهد أفلام رعب يمكنك الذهاب لإحدى الجامعات الحكومية وتنظر في وجوه بعض الفتيات اللواتي يضعن ألوان قوس قزح وغيرها على وجوههن ويبهرجنها بأنواع المكياجات المختلفة، ويثقلن أنوفهن بزمام يكاد أن يمزقها من ثقله (والله جد)!!

أتمنى من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، أن تحكم يدها على الجامعات وأن تعيد للتعليم الجامعي هيبته، فقد ضاعت هيبة بعض الجامعات العريقة ذات الصيت “شمار في مرقة مظاهر وسلوك الطلاب”، وأتمنى وأرجو من الجامعات والكليات خاصة كانت أو حكومية، أن تضبط المظهر الخارجي للطلاب والطالبات وتحظر كل الأفعال المشبوهة وغير اللائقة، وأرجو أن تلزم الجامعات طلابها وطالبتها بالأخص بزي جامعي موحد وتحظر استخدام المكياج داخل الحرم الجامعي، وأيضا إلزام الطلبة بضرورة احترام زي الجامعة خارج أسوارها وعدم (التسكع) به في الشوارع والأماكن العامة، فقد بات طلاب إحدى الجامعات منتشرين بالشوارع أكثر من انتشار البعوض في الليل ويعرفهم الغالبية من ألوان زيهم الرسمي.
جرأة أخيرة
وكمان أرجو حظر (ناس زي ألوان) في المتنزهات والأماكن العامة قصدي ناس التخاريج.

شاهد أيضاً

مشاهدات وانطباعات يكتبها : خالد ساتي … مزاج سوداني 

الشروق نت  مزاج سوداني الدائرة الضيقة التي سجنت خيال البرامج الغنائية لسنوات متطاولة لم تشفع للقنوات …