الخميس , نوفمبر 21 2024
aren

جرأة قلم/ دارالسلام علي /بختك يا (حوت)!

في طريق عودتي إلى المنزل استقليت إحدى المركبات (الهكرة) التي لا تصلح لأن تكون ضمن وسائل النقل.. (المهم) ما حول رحلتي بتلك المركبة (البالية) ومقاعدها المهترئة وجعلني كمن يمتطي خيلاً في ساحة مليئة بالزهور والعصائر الجميلة، هو صوت الفنان (الأسطوره) محمود عبد العزيز رحمة الله عليه، وصوته الطروب العذب الذي كان يخرج من سماعات تلك العربة، فوحده ذلك المذياع كان كفيلاً بأن يجذب (الركاب)، فقد سمعت أحد الشباب يصدح منادياً صديقه (تعال ياخ ده مشغل الحوت) وكأن سائق العربة كان يصطاد ركابه بصوت العذب الحوت
أثناء الرحلة التي انتقلت فيها أذان الركاب مابين (جاهل وديع مغرور في أحلام صباه) و(كل ما سألت عليك صدوني حراسك ردوا الجواب كافين مع إني من ناسك)، كان جاري في المقعد أحد الشباب يعلوه الشجن وكان يردد كل الأغاني وتبدو عليه علامات الطرب لدرجة أنني أحسست أن ذلك الشاب قد انتقل إلى دنيا أخرى وكأنه يرى (حوته) أمامه ويشاركه الغناء، وعندما غنى محمود ب(خلي بالك لي ايدي وقت أسالمك لما يا زولتي البريدك، امسح من الزمن العداوة وأقول بريدك) كانت دموع ذلك الشاب قد انهمرت من عينيه حتى أنه خجل وتوارى قليلاً عن أنظار الركاب (والله جد)!
لا أدري حينها سبب تلك الدموع هل كانت حزناً على فراق محمود، أم أنه كان يعاني من (شاكوش) قديم أيقظت الكلمات آلامه، ولكنني بعد دقائق قليلة سمعت همهماته التي كانت تدعوا ل(الحوت بالرحمة والمغفرة) عندها قادتني تلك الدعوات الجميلة إلى أمر آخر، وهو أن بعض الأموات يرحلون فقط بأجسادهم ولكنهم باقون، وأن الحب هبة عظيمة لا يمنحها الله للجميع، فالحب الذي وجده وتوارثه جمهور الحوت له حتى بعد مضي سنوات على رحيله، كان أكبر من أحزانهم على فراقه، فهم كما يعيشون معه بأغنياته ويشاركونه الفرح والشجون بإحساسهم لدى سماعهم تلك الكلمات والصوت (الأسطوري)، مؤكدين أن الحب لا يموت مع الأموات (ااي والله).

لم يكن الحوت ظاهرة فنية فقط، بل برهن للجميع أن الفن رسالة تحمل في مضامينها كل الجوانب الفنية والإنسانية والاجتماعية. لم يمت الحوت الذي انتقل إلى ربه في السابع عشر من عام 2013م، ولم يسكت ربابه بل إنه عائش في أذهان كل محبيه الذين بإخلاصهم له حببوا أشخاصاً آخرين وجذبوهم لحب الراحل، وما يؤكد ذلك اللقاء الكبير الذي حشده جمهور الحواتة في الذكرى العاشرة لتأبين الفنان محمود عبدالعزيز.
فالحفلات الجماهيرية التي تنفذها رابطة محبي ومعجبي محمود عبد العزيز بمسمياتها المختلفة من أقمار الضواحي ومحمود في القلب… وغيرها من الروابط والمجموعات والتي تتكون من جمهور عريض ضخم يفوق أعداد جماهير بعض الفنانين الذين ما زالوا يقفون في المسارح للآن للغناء بل غير هذا الجمهور الذي يكبر عددا ويتوارث حب الحوت من جيل إلى آخر ولم ينقطع إمداد صوت الحوت وتأثيره القوي في جذب المعجبين حتى بعد وفاته
ولم تنته حياة الحوت الخيرية والإنسانية بل لا يزال محبوه سائرين في ذلك الدرب الذي عرف به الراحل من أعمال خيرية ومساعدات إنسانية، فكثيراً ما كان يغني من أجل دعم الفقراء والمساكين والجمعيات (الحواتية) الكبيرة التي تحمل اسم ولقب الحوت حتى أن أجر ما تقوم به تهبه الحوت وباسم الحوت، وهذا أمر يجعلك تتساءل كيف لشخص رحل عن دنيانا وما زالت حياته الفنية والخيرية والإنسانية مستمرة وقصصه أشبه بالروايات الخيالية. فالحوت ظاهرة هي الأولى من نوعها في تاريخ السودان بل العالم أجمع (بختك يا حوت)!!
جرأة أخيرة
لا مقدور أسيبك ولا عايش معاك
لا معدود حبيبك ولا عاشق سواك
أجيك بكل طيبة وأنا العايزك حبيب
تجيني بكل ريبة وألاقي عيون غريبة كأنك ما قريب

Check Also

مشاهدات وانطباعات يكتبها : خالد ساتي … مزاج سوداني 

الشروق نت  مزاج سوداني الدائرة الضيقة التي سجنت خيال البرامج الغنائية لسنوات متطاولة لم تشفع للقنوات …