الخميس , نوفمبر 21 2024
aren
الفريق أول دقلو: أعترف بخطأ انقلاب 25 أكتوبر الذي تبين لي منذ يومه الأول أنه لن يقود لما رغبنا فيه

نص كلمة نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو

بسم الله الرحمن الرحيم
شعبنا الكريم ..
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..
اسمحوا لي أن أخاطبكم اليوم وبلادنا تمر بمرحلة دقيقة لم يشهدها تاريخها من قبل، مرحلة تتطلب منا جميعاً أن نتجرد ونتحلى بالصدق مع نفوسنا ومع شعبنا الذي صبر كثيراً وتحمل فوق كل احتمال. أخاطبكم اليوم ونحن نتحمل مسؤولية جسيمة وأمانة هذه البلاد في أعناقنا.. إن أحسنا الصنع نستطيع أن نخرجها إلى بر الأمان، وإن تملكتنا المطامع الذاتية وقصر النظر سنلقي بها إلى التهلكة وهو ما لن نسمح لأنفسنا أن يحدث مهما كان الثمن.
اسمحوا لي قبل أن أدلي بموقفي من تطورات الوضع السياسي الراهن أن أقدم خطابي هذا بخلفية مختصرة للغاية، أظن أنها ضرورية في هذا السياق. أنا ابن بادية بسيط، نشأت في أقاصي هوامش السودان ولم أحظ من الدولة سوى بعنفها تجاه مجتمعاتنا، وتجاهلها لحقوقهم الأساسية، ولقد تعلمت في مدرسة الحياة الكثير من الدروس، أهمها أن المسار القديم للسودان غير عادل وغير منصف، لذا فحينما رأيت شباب وشابات ثورة ديسمبر المجيدة لم أتردد في الوقوف في صفهم ضد ظلم النظام البائد واستبداده وفساده، رأيت أنني أشاركهم رغبتهم في التغيير إلى الأفضل وبناء السودان، حاولت ما استطعت فأصبت حيناً وأخطأت أحياناً، آخرها خطأ انقلاب ٢٥ أكتوبر، الذي تبين لي منذ يومه الأول أنه لن يقود لما رغبنا فيه أولاً بأن يكون مخرجاً من الاحتقان السياسي ليصبح للأسف بوابة لعودة النظام البائد، مما دفعني لعدم التردد بأن أعود عنه إلى الصواب وأن أرغب بصدق في الخروج من السلطة السياسية وتسليمها لسلطة مدنية انتقالية، وهو أمر تعاهدت عليه مع السيد الرئيس الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقيادة القوات المسلحة السودانية ولن أعود عنه أبداً.
بعد هذه المقدمة المختصرة اسمحوا لي أن أقول بضعة آراء في أهم قضايا الراهن السياسي في نقاط.
أولاً: العملية السياسية الجارية الآن:
أكدت مِراراً وتكراراً أن الاتفاق السياسي الإطاري هو مخرج بلادنا من الأزمة الراهنة، وأنه هو الأساس الوحيد للحل السياسي المنصف والعادل، وقد أسهمت مع بقية الموقعين في دفعه إلى الأمام، في مناقشات القضايا الثلاثة، وآخرها ورشة شرق السودان التي نظمتها الآلية الثلاثية ونجحت بصورة كبيرة في وضع الأساس لمخاطبة أزمة شرق السودان بصورة صحيحة، كما أسهمت كذلك في محاولات إقناع القوى غير الموقعة على الاتفاق الاطاري بالانضمام للعملية السياسية، آخرها الإعلان السياسي الذي ناقشته الأطراف الموقعة مع بعض الحركات والأحزاب غير الموقعة، وما زلت آمل بأن تكلل هذه المساعي بالنجاح.
إنني أعتقد بأن هذه العملية السياسية قد تطاول زمنها، وأن الوقت قد حان لإنهائها والوصول لحلٍّ سياسي نهائي بصورة عاجلة تتشكل بناء عليه سلطة مدنية انتقالية تقود البلاد، ونعود نحن في المؤسسة العسكرية إلى ثكناتنا لنتفرغ لأداء مهام حماية حدود البلاد وأمنها وسيادتها وهذه مهام جليلة نتمنى أن نوفق في أدائها.
ثانياً: العلاقة بين القوات المسلحة السودانية والدعم السريع:
نشأ الدعم السريع كمساند ومساعد للقوات المسلحة، وينص قانونه على أنه جزء منها. جمعتنا مع القوات المسلحة خنادق القتال حماية للوطن وأمنه، ولنا معها عهود لن نخونها أبداً.
لن نسمح لعناصر النظام البائد بالوقيعة بين القوات المسلحة السودانية والدعم السريع، وأقول لهم إنهم لن يستطيعوا بلوغ ذلك أبداً. إننا في قوات الدعم السريع ملتزمون بما ورد في الاتفاق الإطاري بخصوص مبدأ الجيش الواحد وفق جداول زمنية يتفق عليها، كما أننا ملتزمون بصدق بالإنخراط في عمليات الإصلاح الأمني والعسكري، بصورة تطور المؤسسة العسكرية وتحدثها وتزيد من كفاءتها وتخرجها من السياسة والاقتصاد كلياً، وتمكنها من التصدي الفعال لكل ما يهدد أمن البلاد وسلامها.
إن القوات المسلحة السودانية مؤسسة ذات تاريخ عريق، وهي لن تكون مطية لحزب أو جهة، بل كانت وستظل ملكاً لهذا الشعب بكل أطيافه، ومصدر فخره واحترامه، ونحن منها ولن ندخر جهداً في الدفاع عنها ضد كل من يسيء إليها أو يقلل منها، وقد وضع الاتفاق الإطاري أساساً متيناً للمبادئ الرئيسية التي تعيد للمؤسسة العسكرية ما فقدته بسبب سياسات النظام البائد، لذا سنمضي فيه بصدق وجدية حتى تتحقق أهدافه كاملة غير منقوصة، فهذا الاتفاق حُزمة واحدة يجب أن تنفذ كلها دون تجزئة.
ثالثاً: السلام الشامل العادل:
أنا رجل نشأ في وسط الحروب.. عرفتها وخبرتها لذا أعرف معنى السلام وأهميته. منذ أيام الحكومة الانتقالية الأولى اخترت في مجلس السيادة أن أتولى مهمة ملف السلام بالتنسيق مع حكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك. لأنني مقتنع بأنه لا مستقبل لهذه البلاد بدون إسكات جميع أصوات البنادق وإدارة تبايناتنا بالحكمة والموعظة الحسنة. اندلعت الحروب بسبب المظالم التاريخية في هوامش السودان، وجاءت ثورة ديسمبر لتمنح فرصة لمعالجة هذه المظالم دون حروب. لذا وقعنا اتفاق جوبا لسلام السودان الذي لم يجد حظه من التنفيذ لأسباب عديدة، لذا فقد جددنا العزم أن يكون الاتفاق السياسي النهائي مدخلاً لإحياء تنفيذ اتفاق السلام ولإكماله مع الحركات الموقعة، وتنفيذ جميع بنوده لا سيما المتعلقة بعودة النازحين واللاجئين إلى ديارهم وتوفير الحماية اللازمة لهم.
إنني أود أن أعرب عن عميق تقديري للحركات التي اختارت أن تكون جزءاً من العملية السياسية الجارية، فقد اختاروا خيار وضع مصالح البلاد فوق كل القضايا الصغيرة، وأجدد دعوتي للحركات الموقعة على اتفاق جوبا التي لم تنضم بعد للعملية السياسية بأن تكون جزءاً منها، فمستقبل تنفيذ السلام مرتبط باستقرار البلاد السياسي وهو ما لن يتحقق سوى باتفاق سياسي نهائي يؤسس لحكومة مدنية تعكس آمال الشعب وتطلعاته.
رابعاً: الأزمة الاقتصادية:
إنني أشعر بألم عميق كلما أشاهد مظاهر الفقر والضيق الاقتصادي وتردي الخدمات في بلادنا. إن السودان بلد غني بأهله وموارده، أفقرته سياسات الأنظمة المتعاقبة وصراعات السلطة ضيقة النظر.
إن حل الأزمة الاقتصادية الراهنة مرتبط بالاستقرار السياسي والإتيان بحكومة مدنية، ومن هنا فإنني أناشد الأسرة الدولية والإقليمية على الاستعداد لتقديم السند اللازم للحكومة القادمة، فشعبنا ينتظر منها الكثير وستواجهها مهمة صعبة ما لم تجد التعاون السريع والفعال لمواجهة التحديات الاقتصادية.
كما أدعو الحكومة القادمة للاهتمام بالقطاعات الإنتاجية واستثمار خيرات البلاد الزراعية والحيوانية والطبيعية وتوجيهها نحو المواطن في كل أرجاء السودان بعدالة وانصاف، والاهتمام بالتعليم والصحة كأهم عوامل النهضة الشاملة التي نتمنى أن نراها واقعاً يتحقق في هذه الأرض الطيبة، ومن جانبنا سنقف مع شعبنا في الضائقة الاقتصادية وسنقدم دعمنا لتخفيف أعباء المعيشة.
خامساً: العلاقات الدولية والإقليمية:
إنني أتوجه بعميق الشكر والتقدير للآلية الثلاثية المكونة من الاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيقاد والأمم المتحدة، والآلية الرباعية والترويكا ممثلة في المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والنرويج، والاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، وبلدان الجوار الأفريقي والعربي التي ساندت الشعب السوداني ودعمت خياراته.
إنني أؤكد لهم جميعاً التزامنا في المؤسسة العسكرية بتعهداتنا التي قطعناها على أنفسنا بالخروج من السلطة السياسية وإنجاح العملية السياسية الجارية، كما أؤكد رغبتنا الجادة والصادقة في علاقات بناءة مع الأسرة الدولية والإقليمية ونأينا التام عن كل أشكال العلاقات الخارجية التي تمس بالسلم والأمن الدوليين.
إن السودان دولة ذات تاريخ عريق في السلم مع الجوار، ولم يتحول لمصدر تهديد للإقليم والمجتمع الدولي إلا في سنوات حكم النظام البائد الذي أفسد علاقاتنا مع أشقائنا وجيراننا، وهو ما لن يتكرر أبداً مرة أخرى في هذه البلاد.
سادساً: رسالة خاصة إلى عناصر النظام البائد:
لقد حكمتم هذه البلاد بغير وجه حقٍّ لثلاثين عاماً، قسمتم فيها السودان لبلدين، نشرتم فيها الفساد والاستبداد، أثرتم فيها الفتن القبلية والاجتماعية حتى ثار ضدكم الشعب وأسقطكم.
أقول لكم ارفعوا أيديكم عن الفتنة في المؤسسة العسكرية وفي أوساط المجتمع السوداني، واتركوا هذا الشعب ينعم بفترة انتقال سياسي مستقر يختار في نهايتها من يحكمه دون تزوير وتزييف.
ختاماً، أطمئن شعب السودان الطيب في كل أرجائه بأننا ماضون في مسيرة الحل السياسي الذي بدأناه في الاتفاق الاطاري، وسنمضي فيه حتى آخر الطريق بثبات، حتى يعود الاستقرار لهذه البلاد، وتتجنب الشرور والفتن. هذا عهد قطعناه وهذه كلمة نقولها لله وللتاريخ وللوطن ولن نتراجع عنها أبداً.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
الشروق نت

Check Also

«هيومن رايتس» تتهم الميليشيا بارتكاب «التطهير العرقي» بدارفور

اتّهمت منظمة هيومن رايتس ووتش، اليوم الخميس، قوات الدعم السريع في السودان بارتكاب “تطهير عرقي”، …